تعمَّدتُ عدم تشديد الياء في كلمة «الغازيّة»، لعل القارئ يقع في خطأ مفيد جدا عندما يقرأها «المشروبات الغازِيَة» التي غزت أبدان الناس ففعلت بها ما تفعله القوات الغازية في البلد المحتل. وأنا بهذا أكشف للقارئ سلفاً موقفي من هذه المشروبات التي سأكرّس المقالة للحديث عن اضرارها، ولا أكتم عنه أنني – قبل الاطلاع على خطرها- كنت كالمدمن عليها.
والحقيقة ان خطورة اضرار المشروبات الغازيّة لا تعود الى تركيبها فحسب، بل الى جهل الكثيرين باخطارها، مما يجعل بعض القراء يفاجَأون بها وقد يقررون طلاقها بالثلاث في مجلس واحد على المذهب الحنبلي، وهو قرار في محله. فقد انتشرت هذه المشروبات وكادت تحل محل الماء. في السعودية مثلا تـُنتج ثمانية ُمصانع وطنية أكثرَ من مئة مليون عبوة من هذه المشروبات، فلا تشبع السوق التي تستورد-اضافة الى ذلك - 500 طن منها سنويا لتواجه الاستهلاك الشره لها...هل يمكن ان يستهلك الناس هذه الكميات الهائلة لو كانوا يعرفون أضرارها؟
اما السوق العراقية فقد انفتحت عليها الى حد انك قلما تجد محلاً لا يكدس امامه بقدر مساحته كميات هائلة منها وبالقناني الكبيرة، وهي كمية تدل على رواج سوقها وازدهارها، وهو رواج وازدهار ينموان في جو الجهل باضرارها على صحة الانسان.
المكونات والانواع
هناك انواع عديدة من المشروبات الغازية تشترك جميعها في احتوائها على:
ماء، سكر (عدا الدايت الذي يحتوي بدل السكر على الاسبارتام)، غاز ثاني اوكسيد الكاربون، مواد حافظة (تختلف حسب المشروب)، حوامض (فوسفوريك، سيتريك، كربونيك، ماليك)، مواد منكهة (تختلف حسب المشروب).
وهذه النكهات هي: الكولا وهي النكهة المضافة للبيبسي و الكوكاكولا، الليمون ويضاف إلى السفن اب و السبرايت، البرتقال ويضاف إلى الميرندا والفانتا، العنب ويضاف إلى مشروب الفيمتو.
ومن الواضح ان هذه المشروبات خالية من البروتينات او الدهون او الفيتامينات أو المعادن، وما طعم البرتقال او الليمون او الفواكه الا نكهات لا علاقة لها بالفواكه الاصلية، وبالتالي فالمشروبات الغازية ليست ذات قيمة غذائية، اللهم الا السكر (33 غراماً في العلبة الواحدة) والذي يعطي 150 سعرة حرارية تسهم في زيادة الوزن من ناحية، ومن ناحية اخرى تسهم في صد الجسم عن المواد الغذائية النافعة بما تؤمّنه من سعرات خالصة تسد الجوعة.
الضحية الأولى
تحتوي معظم المشروبات الغازية على واحد او اكثر من أحماض: الفوسفوريك، السيتريك، الماليك والكاربونيك. ان وجود هذه الاحماض يرفع درجة الحموضة في البيبسي والكوكا مثلا الى 3.4 (على مقياس من 1-7) وهي حموضة عالية تسبب تآكل طبقة المينا الحامية للأسنان. ولتجربة شدة الضرر هذا يمكنك ان تضع سنا مخلوعة في علبة كولا وتتركها ليوم او يومين لترى بعد ذلك كم بقي منها!
وما يجدر ذكره ان وجود السكر مع الحموضة يضاعف الاثر المخرب للحموضة على الاسنان وقد أثبتت البحوث الطبية وجود علاقة بين تسوس الأسنان عند الاطفال وزيادة تناول المشروبات الغازية. والاثر الضار على الاسنان يحدث بتناول علبة واحدة فقط في اليوم، ولذا يوصي اطباء الاسنان بالابتعاد عن هذه المشروبات، واذا صادف ان شربها الانسان فليشربها عن طريق القصبة (الشلمونة) لا بالكأس ولا بشكل مباشر من العلبة أو القنينة (كي لا يصب المشروب الغازي مباشرة على الاسنان)، وان يغسل الانسان فمه بعد ذلك.
الضحية الثانية
وما يجدر ذكره ان وجود السكر مع الحموضة يضاعف الاثر المخرب للحموضة على الاسنان وقد أثبتت البحوث الطبية وجود علاقة بين تسوس الأسنان عند الاطفال وزيادة تناول المشروبات الغازية. والاثر الضار على الاسنان يحدث بتناول علبة واحدة فقط في اليوم، ولذا يوصي اطباء الاسنان بالابتعاد عن هذه المشروبات، واذا صادف ان شربها الانسان فليشربها عن طريق القصبة (الشلمونة) لا بالكأس ولا بشكل مباشر من العلبة أو القنينة (كي لا يصب المشروب الغازي مباشرة على الاسنان)، وان يغسل الانسان فمه بعد ذلك.
الضحية الثانية
يولد الانسان ومعظم عظامه ليست عظاما بل هي «مشروع عظام»، فهي غضاريف قابلة للتحول الى عظام بترسيب الكالسيوم فيها بمرور الزمن. ولما كان المصدر الرئيس للكالسيوم هو الحليب فقد اقتضت الخطة الالهية جعل غذاء الرضيع حليبا لا يملـّه ولا يرفضه ذوقه، فيقضي فترة الرضاعة في بناء قسم كبير من عظامه. بعد الفطام تستمر حاجة الطفل الى الحليب لاستكمال بناء الباقي، وهنا يأتي دور الثقافة الصحية التي ترشد الى ضرورة الاستمرار في شرب الحليب للاطفال لغرض بناء عظامهم بالكالسيوم الذي يحتويه. بعد ذلك تشتد حاجة الجسم الى الكالسيوم في مراحل النمو السريع التي هي: الحمل (حيث تحتاجه الام لتجهيز جنينها)، وسن المراهقة (حيث تطول العظام بسرعة)، وبعد التعرض للكسور (حيث ينبغي بناء العظم المكسور).
وفيما عدا فترات النمو السريع يستمر نمو العظام (اضافة الكالسيوم اليها) حتى العقد الرابع من العمر، ثم يبدأ بالتناقص التدريجي حتى تفقد العظام أكثر من نصف مخزونها من الكالسيوم في سن الشيخوخة حيث يهن العظم ويشتعل الرأس شيبا عندما يبلغ المرء من الكبر عتيّا. لكن العظام قد يصيبها الوهن قبل ذلك اذا تصدّت لها الحموضة، فالحموضة تذيب كالسيوم العظام كما يذيب اللهاثُ وراء المال كرامة الانسان. وهنا يأتي دور المشروبات الغازية التي قلنا ان حموضتها العالية تصل الى درجة 3.4 (على المقياس السباعي) فدرجة الحموضة هذه قوية بقدر يمكـّنها من أن تذيب الأسنان والعظام. وللتأكد من تخريب العظام بصورة محققة(!) تقوم المشروبات الغازية باستنزاف الكالسيوم عن طريق آلية ثانية هي اعاقة امتصاص الكالسيوم من الامعاء، وذلك بسبب وجود حامضي الفوسفوريك والستريك اللذين يتحدان مع الكالسيوم الموجود في الغذاء فتحرم البدن من هذا المعدن الثمين وتجعله يدخل القناة الهضمية ويخرج منها من دون ان تستطيع الامعاء امتصاصه.
الضحية الثالثة
الضحية الثالثة
يحتوي جسم الانسان كمية من الحديد تكفي لصناعة مسمار صغير(3-5 غرامات). يحتاج الجسمُ الحديدَ لصنع الكريات الحمر وعدد لا يحصى من الخمائر الخلوية الضرورية لأغلب الاعمال الحياتية. ويقوم الجسم بتوفير الحديد عن طريق الغذاء حيث يمتص من الامعاء 10-20 ملليغراما من الحديد يوميا يضيفها باستمرار الى مخزونه من هذا المعدن الثمين للجسم. ان مشروبات الكولا (البيبسي كولا والكوكاكولا) تحوي مادة الكافيين التي تؤثر سلباً على امتصاص الحديد الذي لو استمر لأدى الى فقر الدم الذي هو من المشكلات الصحية المنتشرة بين الاطفال والمراهقين بسبب الوجبات السريعة الفقيرة بالحديد والتي تشكل المشروبات الغازية جزءا لا يتجزأ منها. وتسبّب المشروبات الغازية عسر الهضم لاحتوائها مادة البيكربونات وهي مادة قلوية، فإذا تم تناولها بعد الطعام تتسبب في تقليل حمض المعدة الذي يلعب دورا مهما في عملية الهضم، حيث ان المشروبات الغازية تؤثر على وسط المعدة الحمضي إذ تتفاعل بما تحتويه من بيكربونات الصوديوم مع حمض المعدة، وينتج عن هذا التفاعل غازات تفتح أبواب المعدة عنوة لتدفع الطعام إلى الامعاء قبل إتمام هضمه. كما يؤدي الكافيين (الموجود في الكولا) الى فتح العضلة العاصرة التي تفصل المريء عن المعدة مما قد يسبب التهاب المريء بسبب رجوع حامض المعدة وانزيماتها الهاضمة الى المريء.
قلنا ان المشروبات الغازية تحتوي على مواد حافظة منها مادة بنزوات الصوديوم، وهي مادة تستخدم لمنع تعفن المعلبات والمخللات، وقد مضى زمن طويل قبل اكتشاف خطورتها من قبل احدى الجامعات البريطانية التي وجدت ان لمادة البنزوات القابلية على ايجاد اضرار في الـ dna (خصوصا في المسنين)، مما قد يؤدي الى الاصابة بتشمع الكبد او الشلل الرعاش (مرض باركينسون)
وماذا عن فوائدها؟
قلنا ان المشروبات الغازية تحتوي على مواد حافظة منها مادة بنزوات الصوديوم، وهي مادة تستخدم لمنع تعفن المعلبات والمخللات، وقد مضى زمن طويل قبل اكتشاف خطورتها من قبل احدى الجامعات البريطانية التي وجدت ان لمادة البنزوات القابلية على ايجاد اضرار في الـ dna (خصوصا في المسنين)، مما قد يؤدي الى الاصابة بتشمع الكبد او الشلل الرعاش (مرض باركينسون)
وماذا عن فوائدها؟
لقد أسهبتَ في الحديث عن مضارها، هلاّ ذكرت شيئا عن فوائدها؟