في معرض التحدي بين الكفر والإيمان يأتي الكافر بقطعة عظم بالية مستنكرا أن تحيا بعد موتها كما بين تعالى في قوله: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً " يس (78) : وهو مثل لا ينبغي لأحد أن يضربه، وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق وان الأمر المستبعد على قدرة المخلوق مستبعد على قدرة الخالق، فسر هذا المثل بقوله: (قَالَ) ذلك الإنسان ( منْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) يس (78)، أي: هل أحد يحييها؟ استفهام إنكار، أي: لا أحد يحييها بعدما بليت وتلاشت، هذا وجه الشبه والمثل، وهو أن هذا الأمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه (وجهلا) ونسيانا لابتداء خلقه، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، فوجد عيانا لم يضرب هذا المثل.فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف فقال: "قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ" يس (79) وهذا بمجرد تصوره يعلم به علما يقينيا لا شبهة فيه أن الذي أنشأها أول مرة (من العدم) قادر على الإعادة ثاني مرة وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور.
(وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يس (79)هذا أيضا دليل ثان من صفات الله تعالى، وهو أن علمه تعالى محيط بجميعمخلوقاته من جميع أحوالها في جميع الأوقات، ويعلم ما تنقص الأرض من أجساد الأموات وما يبقى، ويعلم الغيب والشهادة فإذا اقر العبد بهذا العلم العظيم، علم انه أعظم وأجل من إحياء الله الموتى من قبورهم، ثم ذكر دليلا ثالثا (معجزا) فقال: " الَّذِي جَعَلَ لَكُم من الشجر الاخضر نارا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ الذي هو في غاية الرطوبة مع تضادهما وشدة تخالفهما، فإخراجه الموتى من قبورهم مثل ذلك (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان عبدالرحمن بن ناصر السعدي) (مع وضع الكلمات بين الأقواس)." يس (80)فإذا اخرج النار من الشجر الأخضر
فالسؤال المطروح: من يحيي العظام وهي رميم؟
وقد تدرجت الإجابة من المجرد إلى المحسوس، ومن الغائب إلى الحاضر، فالذي خلقها أول مرة على غير مثال سابق من خاماتها الأولية قادر على إنشائها من جديد، وقد خلقها سبحانه وتعالى بقدرة وعلم " وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ " ثم يأتي الله تعالى بالمحسوس والمشاهد والمعجز الدال دلالة قطعية على المقدرة والعلم والإتقان والإعجاز فقال: "الَّذِي جَعَلَ لَكُم من الشجر الاخضر نارا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ وانشأ به النار قادر على كل شيء. فالربط بين الشجر الاخضر والنار معجزة علمية، والربط بين الشجر والخضر معجزة كبرى، فإن غاب الشجرغابت النار والطاقة منعلى الأرض، وان غاب الخضر والاخضرار من النبات هلك النبات واختفى المصدر الرئيس للطاقة الحيوية على الأرض." (يس/80)، فالذي خلق النبات الأخضر
فالطاقة الحيوية مصدرها الأصلي الشمس والمثبت الرئيس للطاقة على الأرض هو النبات (الشجر) حيث تسقط أشعة الشمس بضوئها وحرارتها على الأرض فترتفع درجة حرارة اليابسة والماء، ثم بعد غياب الشمس تفقد اليابسة ويفقد الماء حرارتيهم.
ولكن عندما تسقط أشعة الشمس على النبات فانه يقوم بأهم وأعجز عملية حيوية على الأرض حيث يحول طاقة الشمس من طاقة ضوئية إلى طاقة كيميائية مخزنة في الروابط الكيميائية لبعض المركبات الحيوية التي أنتجها النبات بما أودع الله تعالى فيه من خصائص حيوية حيث يثبت كربون ثاني أكسيد الكربون الجوي وكربونات الماء،ويستخدم هيدروجين الماء ليكون السكريات الأولية في النبات وينطلق أكسجين الماء إلى الغلاف الجوي لتعيش عليه الكائنات الحية الهوائية التنفس (النبات - الحيوان - الكائنات الحية الدقيقة الهوائية التنفس والإنسان).وتتم هذه العملية المهمة والمعجزة وفق المعادلة التالية: ثاني أكسيد الكربون + الماء في وجود طاقة الشمس الضوئية يعطى سكرا وأكسجين.
منقول